الرعاية الأولية- فحص مبكر، صحة أفضل במסגרת رؤية 2030

المؤلف: هيلة المشوح11.21.2025
الرعاية الأولية- فحص مبكر، صحة أفضل במסגרת رؤية 2030

زارت سيدة أحد مراكز الرعاية الصحية الأولية بسبب إصابتها بالزكام، ولكن طبيب العائلة، آخذاً في الاعتبار عمرها، اقترح عليها إجراء فحص دوري للكشف عن سرطان الثدي. في البداية، أبدت السيدة بعض التردد لعدم شعورها بأي أعراض، إلا أنها وافقت على إجراء الفحص الذي تم بسهولة ويسر، وجاءت النتيجة سلبية. بعد هذه التجربة الملهمة، تغيرت نظرتها إلى الأمور، وأصبحت تعمل جاهدة على توعية السيدات من حولها بأهمية الكشف المبكر، مما يجسد الجهود القيمة التي تبذلها مراكز الرعاية الأولية في إرساء نموذج الرعاية الصحية المتطور، وذلك من خلال مسار فحص سرطان الثدي الذي يندرج ضمن أهداف التحول في القطاع الصحي، والذي يعتبر عنصراً أساسياً في رؤية المملكة العربية السعودية 2030 الطموحة. الإنسان هو الركيزة الأساسية لهذه الرؤية، والهدف الأسمى لمنظومة الرعاية الصحية، فالتحول يهدف إلى خدمة الإنسان، وتحسين كفاءة وجودة الخدمات الصحية المقدمة له، وتيسير حصوله عليها، فضلاً عن تعزيز تجربته في المرافق الصحية التابعة للتجمعات الصحية.

ولتحقيق هذه الغاية النبيلة، تركزت أغلب المشاريع والمبادرات الخاصة بالتحول الصحي حول نموذج الرعاية الصحية الحديث، الذي صُمم لتمكين المستفيدين، وتوفير الرعاية الصحية المثلى لهم، وجعلهم محور الاهتمام في المنظومة الصحية، حيث يجسد مفهوم الوقاية خير من العلاج، ويهيئ البيئة المهنية المتميزة للعاملين في القطاع الصحي.

وقد تم تصميم نموذج الرعاية الحديث بالاعتماد على ستة أنظمة رعاية متكاملة، تتضمن 42 مبادرة تهدف إلى إحداث تحولات سلوكية واجتماعية إيجابية، وتحسين صحة الأفراد، وضمان حصول المستفيدين على الرعاية المناسبة في المكان والزمان المناسبين. تعمل هذه الأنظمة بتكامل وانسجام للحد من انتشار الأمراض من خلال التدابير الوقائية الفعالة، واستعادة صحة الفرد بعد الإصابة بالمرض، وتضمن حصول المستفيدين على الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة.

تشمل هذه الأنظمة نظام الرعاية الوقائية الذي يعين المستفيدين على الحفاظ على صحتهم وتعزيزها، ويضمن جودة الخدمات المقدمة لهم، بالإضافة إلى نظام الرعاية العاجلة الذي يتيح لهم الحصول على المساعدة الفورية في حالات الطوارئ، ونظام الرعاية الاختيارية الذي يدعمهم في تحقيق أفضل النتائج الممكنة للعمليات الجراحية والتدخلات الطبية المقررة. كذلك، يحرص نظام الولادة الآمنة على مساعدة الأمهات على إنجاب أطفالهن بأمان وسلامة، بينما يقدم نظام رعاية الأمراض المزمنة الدعم اللازم والمساندة المستمرة للمرضى للتعايش مع أمراضهم المزمنة بشكل فعال. وأخيراً، يوفر نظام الرعاية التلطيفية أرقى مستويات الرعاية الإنسانية وأكثرها تعاطفاً في المراحل الأخيرة من الحياة، مع اختيار الكوادر الطبية المؤهلة والمتخصصة لتقديم هذه الرعاية بكل دقة وعناية.

وإلى جانب هذه الأنظمة المتكاملة، يشتمل نموذج الرعاية الحديث على مسارات إكلينيكية متخصصة، منها مسار السكتة الدماغية، واحتشاء عضلة القلب، والإصابات الخطيرة، وفحص سرطان الثدي، وفحص سرطان القولون والمستقيم، والرعاية التلطيفية، وفحص السكري، وفحص السمنة، وارتفاع ضغط الدم، وأخيراً مسار اضطرابات الدهون في الدم.

إن تصميم نموذج الرعاية الحديث يجسد مفهوم الشمولية في تقديم الرعاية الصحية، من خلال اعتماد استراتيجية الوقاية من الأمراض قبل حدوثها، بدلاً من الاقتصار على النهج العلاجي التقليدي في تقديم الخدمات الصحية. ويهدف هذا النموذج إلى تقديم الرعاية الصحية بجودة وكفاءة عاليتين، مما سيحدث نقلة نوعية في طريقة تقديم الخدمات الصحية. ففي الماضي، كان المواطن والمقيم يشعر بالمرض ويتوجه مباشرة إلى قسم الطوارئ في المستشفى، ولكن اليوم، ومع تطوير "الرعاية الأولية" والاستباقية التي تبدأ من طبيب الأسرة في مراكز الرعاية الأولية تحت إشراف أخصائيين متخصصين يقومون بفحص المريض في هذه المراكز، أو حتى في المنزل إذا تعذر عليه الحضور إلى المركز؛ فقد تغير الوضع جذرياً إلى مرحلة متقدمة جداً من الرعاية الصحية بنموذج عصري يراعي بشكل كبير فهم احتياجات ورغبات وأهداف المستفيد، ويقوم بتصميم خدمات الرعاية الصحية بناءً على ذلك، وهو ما سيعزز بدوره رضا المستفيد، ويحقق الأهداف الطموحة للتحول الصحي.

وفي هذا السياق، أود أن أشير إلى أن تطبيق نموذج الرعاية الحديث في التجمعات الصحية العشرين، بما تضمنه من أنظمة ومبادرات ومسارات متنوعة، قد حقق العديد من الإنجازات الملموسة، منها زيادة السيطرة على مرض السكري بنسبة تصل إلى 70% في بعض التجمعات الصحية، واكتشاف العديد من حالات سرطان القولون والثدي في مراحل مبكرة بفضل الكشف المبكر المنتظم في مراكز الرعاية الأولية، حيث تحققت زيادة ملحوظة في معدل إجراء الكشف المبكر لمسار سرطان القولون بنسبة 100% ومسار سرطان الثدي بنسبة 52%، الأمر الذي سرّع من تقديم الرعاية الصحية المناسبة والحد من تبعات المرض، وبالتالي ارتفاع مستوى رضا المستفيدين. كل هذه المؤشرات تؤكد أن التحول الصحي يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه المنشودة في ظل رؤية 2030 ومستهدفاتها السامية التي تسعى في مجملها إلى تطبيق برامج جودة الحياة وفقاً لأفضل النماذج التنافسية العالمية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة